Get A Quote Book Consultation
اطلب عرض اسعار طلب اجتماع
email
phone
whatsapp
whatsapp
الصياغة القانونية

الصورية في العقود بين النص القانوني وحقيقة الإرادة في القانون الإماراتي

تُعتبر الصورية في العقود من أبرز الموضوعات القانونية التي تثير إشكالات عملية أمام القضاء، حيث يختلف ظاهر العقد المدوَّن عن الإرادة الحقيقية التي جمعت الأطراف. وهذا التناقض بين الشكل والجوهر يثير تساؤلات حول مدى حجية العقد المكتوب، وإمكانية إثبات الصورية، وحماية الغير حسن النية. 

وتطرح الصورية في العقود بين النصّ القانوني وحقيقة الإرادة سؤالًا مركزياً: متى تُقدَّم دلالة الألفاظ المكتوبة، ومتى تُغلَّب إرادة المتعاقدين الحقيقية؟ المشرّع الإماراتي حسم هذا التوتر بنصوص واضحة تقرّر أن العبرة في العقود بالمقاصد والمعاني لا بالألفاظ والمباني، مع إلزامٍ عامٍّ بحُسن النية في التعاقد والتنفيذ، وبقواعد إثباتٍ محدثة تتماشى مع الواقع الرقمي

وقد نظم المشرّع الإماراتي هذه المسألة بوضوح من خلال قانون المعاملات المدنية وما استقر عليه القضاء، بما يضمن التوازن بين احترام الشكل الظاهر للعقود وبين حماية الإرادة الحقيقية للمتعاقدين. 

 

مفهوم الصورية في العقود

الصورية تعني إبرام عقد ظاهري يخفي وراءه اتفاقًا آخر حقيقيًا، أو إظهار إرادة شكلية لا تعكس حقيقة نية الأطراف، فالصورية هي اصطناع مظهرٍ تعاقديٍّ لا يطابق الحقيقة القانونية التي اتّفق عليها الأطراف؛ وقد تكون الصورية مطلقة (إبرام عقد وهمي لا وجود له في الحقيقة) أو نسبية (إخفاء العقد الحقيقي وراء عقد آخر صوري).

وفي التشريعات الإماراتية، يتم التعامل مع الصورية على أنها وسيلة لإخفاء الحقيقة، لكنها لا تؤدي تلقائيًا إلى بطلان العقد، بل يُعتد بالعقد الحقيقي متى ثبتت أركانه وشروطه، وذلك وفقًا لمبدأ أن العبرة في العقود بالمقاصد والمعاني لا بالألفاظ والمباني.

والصورية هي الاتفاق بين طرفين أو أكثر على إبرام عقد ظاهري لا يعكس حقيقة العلاقة بينهما، مع وجود اتفاق مستتر يعبّر عن الإرادة الفعلية.

وتأخذ الصورية شكلين:

    1. صورة ظاهرة في العقد المكتوب، أو صورية مطلقة: (حيث يكون العقد الظاهر غير مقصود أصلاً، مثل عقد بيع صوري بينما لا توجد نية للبيع).
    2. صورة خفية تعكس الإرادة الحقيقية بين الأطراف، أو صورية نسبية: (حيث يُخفي العقد الظاهر حقيقة أخرى مثل ذكر ثمن أقل من الثمن الحقيقي).

والقانون الإماراتي يعترف بهذا التمييز، ويُرتّب على كل نوع أحكامه الخاصة التي تهدف إلى حماية التوازن بين الإرادة الحقيقية والظاهر المكتوب، ويضع قواعد لحماية الأطراف من الغش أو الإضرار بالغير.

 

الأساس التشريعي للصورية في القانون الإماراتي

ينص قانون المعاملات المدنية الإماراتي في عدة مواد على قاعدة جوهرية، مفادها أن العقد ينفذ بحسب ما قصده المتعاقدان، وأنه يجوز إثبات الصورية بكافة طرق الإثبات بما فيها الشهادة والقرائن.


كما استقر قضاء محاكم دبي وأبو ظبي والاتحادية العليا على أن الصورية لا تُبطل العقد تلقائيًا، وإنما تكشف عن الإرادة الحقيقية للأطراف، وتُعتمد هذه الإرادة أساسًا للفصل في النزاع.

وعليه نصت المادة (258) من قانون المعاملات المدنية الإماراتي على (قاعدة التفسير وتغليب المعاني) على أن: “العبرة في العقود بالمقاصد والمعاني لا بالألفاظ والمباني.” وهي قاعدة تُمكّن القاضي من النفاذ إلى الإرادة الحقيقية عند التعارض بين الشكل والحقيقة.
وأوجبت المادة (246) تنفيذ العقد وفقًا لمقتضيات حُسن النية، على قاعدة ( حُسن النية التزامٌ عام) وهو ما يطال صور الصورية التي تتخذ ستارًا للإضرار بالغير أو التحايل على نصوص آمرة؛ إذ يتدخل القضاء لمواجهة التعسّف والتحايل عبر إعادة تكييف التصرف أو إبطاله بحسب الأحوال. 

كما نصت المادة (394) على أن: إذا أبرم عقد صوري فلدائني المتعاقدين وللخلف الخاص متى كانوا حسني النية أن يتمسكوا بالعقد الصوري كما أن لهم أن يتمسكوا بالعقد المستتر ويثبتوا بجميع الوسائل صورية العقد الذي أضر بهم. وإذا تعارضت مصالح ذوي الشأن فتمسك بعضهم بالعقد الظاهر وتمسك الآخرون بالعقد المستتر كانت الأفضلية للأولين.

كما نصت المادة (395): إذا ستر المتعاقدان عقدًا حقيقيًا بعقد ظاهر فالعقد النافذ فيما بين المتعاقدين والخلف العام هو العقد الحقيقي. 

وهذا يعني أن المشرّع الإماراتي منح الأولوية لحقيقة الإرادة، لكنه في الوقت نفسه حمَى الغير حسن النية الذي اعتمد على ظاهر العقد.

وهناك قواعد الإثبات المُحدّثة (2022)، حيث أقرّ مرسوم بقانون اتحادي رقم 35 لسنة 2022 بشأن الإثبات في المعاملات المدنية والتجارية إطارًا مرنًا للإثبات (كالمحررات الإلكترونية، والاتفاق الإجرائي بين الخصوم على قواعد الإثبات، والقرائن التقنية)، بما يعزّز كشف الصورية وإثبات العقد المستتر. وتنص المادة (4) على أن “إثبات الالتزامات لا يتطلّب شكلًا معيّنًا” ما لم يوجد نص خاص أو اتفاق كتابي، وهو ما يتيح تقديم كافة وسائل الإثبات الملائمة لإظهار الحقيقة. (

وفي إشارة عملية: حين تتعلّق الصورية بنقل ملكية عقارية أو هبة صورية تُستخدم للتحايل على قيودٍ أو التزامات، يتشدّد القضاء بالنظر إلى النظام العام وحُسن النية، وقد يُبطل المظهر الصوري ويُرتّب آثار الحقيقة القانونية.

 

الصورية بين النص القانوني وحقيقة الإرادة

هناك صور شائعة للصورية في الواقع الإماراتي:

  • إظهار البيع وإخفاء الهبة: يُسجَّل عقد بيع بينما تتجه الإرادة إلى الهبة، اتقاءً لرسوم أو لتفادي منازعةٍ أسرية؛ هنا يُعتدّ بالهبة بين الأطراف متى ثبتت، مع مراعاة حماية الغير حسن النية.
  • تغيير طبيعة التعاقد (بيع/مقاولة/قرض): يصاغ عقدٌ على خلاف حقيقته لتبديل الضمانات أو الالتزامات؛ تتدخل المحكمة لتكييفه وفق مقاصده لا عنوانه.
  • إخفاء الشريك الحقيقي: تُستعمل صيغ شراكات صورية للتجاوز على قيودٍ تنظيمية؛ يُعاد توصيف العلاقة وفقًا للوثائق والقرائن ومسار التعامل الفعلي

والصورية تطرح إشكالية جوهرية بين احترام النصوص الشكلية للعقد وبين البحث عن حقيقة الإرادة. فبينما يُعد العقد المكتوب سندًا رسميًا لما اتفق عليه، فإن العدالة تقتضي النظر في النية الحقيقية متى ثبت أن الشكل استُخدم كوسيلة للإخفاء.

وبناءً عليه يظهر العقد على أنه بيع عقار بينما في الحقيقة هو عقد هبة يخفي نية التبرع، أو قد يُظهر أنه قرض بينما يخفي علاقة شراكة. في هذه الحالات، يوازن القضاء الإماراتي بين حماية الغير حسن النية الذي تعامل استنادًا إلى العقد الظاهر، وبين حماية الطرف المتضرر من الصورية.

إذاً هل نُطبّق النص المكتوب أم نبحث وراءه عن الحقيقة؟

  • بين الأطراف: العبرة بالإرادة الحقيقية، أي أن العقد المستتر هو الذي يسري.
  • بالنسبة للغير حسن النية: يُعتد بالعقد الظاهر حماية للاستقرار في المعاملات.

هذا التوازن بين النص والإرادة يعكس فلسفة المشرّع الإماراتي، الذي يسعى إلى حماية العدالة من جهة، واستقرار التعاملات التجارية والمالية من جهة أخرى.

وقد أكد القضاء الإماراتي في أحكام متعددة أن الصورية لا تُحتج بها على الغير إلا إذا كان سيئ النية أو متواطئًا. وفي إحدى قضايا محكمة التمييز بدبي، تمسّك المدعي بأن عقد البيع كان صوريًا لإخفاء هبة، فقضت المحكمة بأن “العبرة بالإرادة الحقيقية طالما ثبتت بالبينة، لكن لا يُحتج بالصورية على الغير حسن النية”.

والتشريع الإماراتي لا يكتفي بالنصوص المجردة، بل يترك للقاضي سلطة واسعة للتحقق من الإرادة الحقيقية، ويتيح للمتعاقدين إثبات الصورية بكافة الوسائل.
وهذا يحقق توازناً بين الأمن التعاقدي والعدالة الواقعية، بحيث لا يُترك المجال للتحايل على القوانين، وفي الوقت نفسه لا يُغفل احترام الشكل الظاهر للعقود.

 

طرق إثبات الصورية (خارطة إثبات عملية)

إثبات الصورية يخضع لقاعدة عامة: “البينة على من ادعى”. وللاطراف أن يستعينوا بكافة وسائل الإثبات، ويعتمد النجاح في دعاوى الصورية على بناء ملفّ إثباتٍ متماسك يجمع بين:

  • المحرّرات المكتوبة: كل ما يكشف توافقًا مستترًا (اتفاقيات سرية أو ملاحق للعقد، خطابات، مراسلات إلكترونية، مسودات، تحويلات).
  • القرائن الفنية والرقمية: توقيتات تحرير الملفات، سجلات الأنظمة، سجلات تحويلات مصرفية؛ وهي باتت مقبولة بوضوح بعد قانون الإثبات 2022.
  • الشهادة والقرائن القضائية: مسار التنفيذ العملي، وتناقض السلوك مع ظاهر العقد.
  • الخبرة: خصوصًا في نزاعات الشركات والعقارات؛ لتقدير القيَم، وتتبع تدفقات الأموال، وربطها بنية الأطراف، حيث تكشف الحسابات والتحويلات المالية عن الحقيقة.

وقد تُستخدم الصورية للتحايل على أحكام القانون أو إضرار الدائنين. مثلاً: إبرام عقد بيع صوري لنقل ملكية عقار بهدف التهرب من الحجز التنفيذي.
المحاكم الإماراتية تقف بحزم ضد مثل هذه الممارسات، وتُبطل التصرفات متى تبيّن أنها صورية مقرونة بالغش أو الاحتيال.

 

الآثار القانونية للعقد الصوري

في مواجهة الأطراف المتعاقدة (بين الأطراف): لا يُعتد بالعقد الصوري ويُعمل بالعقد الحقيقي متى ثبت.

فالعقد الصوري لا ينتج أثره، بل يسري العقد الحقيقي. فمثلاً: إذا كتب عقد بيع بثمن صوري لتخفيض الرسوم، فإن الثمن الملزم هو الثمن الحقيقي المتفق عليه.

بالنسبة للغير حسن النية: يحمي القانون الغير الذي تعامل استنادًا إلى ظاهر العقد، فلا يُمكن الطعن عليه بالصورية إذا كان حسن النية، حمايةً لاستقرار التعاملات.

البطلان: إذا كانت الصورية تهدف إلى غرض غير مشروع أو مخالفة النظام العام (مثل التهرب الضريبي أو إخفاء ملكية لممنوع من التملك، إخفاء نشاط محظور أو تهريب أموال)، فإن العقد يُعد باطلاً بطلانًا مطلقًا.

من حيث الإثبات: يحق إثبات الصورية بجميع وسائل الإثبات، نظرًا لأن الأمر يتعلق بالنظام العام وبكشف الحقيقة.

وفي البيئة التجارية والاستثمارية بدولة الإمارات، تبرز الصورية في بعض الحالات مثل:

  • عقود بيع العقارات لتجاوز قيود الملكية.
  • عقود الشركات لإخفاء الشريك الحقيقي.
  • عقود القروض التي تُبرم لإخفاء تمويلات أو ضمانات غير مصرّح بها.
  • عقود الوكالة: قد تُستخدم الصورية لإخفاء علاقة شراكة حقيقية تحت ستار وكالة. وهذه الأمثلة تظهر أن الصورية ليست مجرد مسألة نظرية، بل لها حضور قوي في الواقع العملي داخل الإمارات، خاصة في ظل ازدهار سوق العقارات والاستثمارات.

وقد واجهت المحاكم الإماراتية هذه الحالات بصرامة، حمايةً للثقة والشفافية في المعاملات. ومن خلال خبرات عملية مثل تلك التي يتعامل معها مكتب أتش أتش أس للخدمات القانونية ، يظهر أن الاستشارات المبكرة تساهم في تجنب آثار الصورية وضمان صياغة عقود تعكس الإرادة الحقيقية للأطراف.

والمشرّع الإماراتي نجح في تحقيق معادلة دقيقة في العلاقة بين الصورية وحماية الإرادة وتوضح ذلك من خلال: 

  • حماية الإرادة الحقيقية: تحقيقاً للعدالة والصدق في التعاقد.
  • حماية الغير حسن النية: ضماناً لاستقرار السوق والمعاملات.

وقد أوضح أتش أتش أس للخدمات القانونية ،في دراسات قانونية متخصصة أن إدراك هذه الثنائية يجنّب الشركات والأفراد الدخول في نزاعات قضائية مكلفة، ويوفّر بيئة أعمال أكثر أماناً.

 

إقرأ أيضًا في مدونتنا:

صياغة عقود الشركات في دولة الإمارات: دليل إرشادي كامل

هبة العقار في إمارة دبي: الإطار القانوني والتنفيذي

كيفية صياغة اتفاقية / عقد الشراكة في دولة الإمارات العربية المتحدة

 

إنر الصورية في العقود بين النص القانوني وحقيقة الإرادة يكشف عن عمق التشريعات الإماراتية ومرونتها في حماية الحقوق وتحقيق العدالة. فبينما يحترم القانون الإرادة الحقيقية، فإنه لا يغفل حماية الغير حسن النية، ليوازن بين العدالة الفردية واستقرار المجتمع الاقتصادي.

والصورية في العقود ليست مجرّد حيلةٍ شكلية؛ إنّها منطقة التقاءٍ بين نصوصٍ آمرةٍ وحقيقة الإرادة، تُدار بأدوات التفسير، وحُسن النية، ومنظومة إثباتٍ حديثة. 

لذلك، من الضروري الاستعانة بالاستشارة القانونية عند صياغة العقود أو مواجهة نزاع يتعلق بالصورية، لتفادي البطلان أو الإضرار بالحقوق. 

وإذا كنتم بصدد صياغةٍ أو مراجعةٍ لعقدٍ أو صياغة قانونية تواصلوا معنا لطلب مراجعة متخصصة وصياغة قانونية.

 

إدارة البحوث و النشر.

أتش أتش أس للخدمات القانونية ش م ح.

دولة الإمارات العربية المتحدة.

للاستعلام عن الخدمة:

واتس اب (كتابة فقط ) : 971521782469

ايميل:  sales@hhslawyers.com

محمد آدم

مستشار قانوني متمكن في عدة مجالات قانونية. لديه خبرة واسعة في رفع الدعاوى القضائية وتقديم المشورة بشأن الحوكمة وقدم عديد من الاستشارات الناجعة. ماهر في التفاوض ومراجعة العقود التجارية وإجراء طلبات التراخيص التجارية وتعديلها وتجديدها. ضليع في القانون التجاري وقانون العمل وقضايا الإفلاس والإعسار والتصفية.

Published by
محمد آدم