يعتبر التحكيم أحد أهم الوسائل القانونية لتسوية المنازعات المختلفة في دولة الإمارات العربية المتحدة، وتسعى الدول لإصدار التشريعات التي تنظم إجراءات التحكيم، كما تسعى لإيجاد معايير تشريعية إقليمية ودولية مشتركة فيما بينها بغرض الاعتراف بقرارات التحكيم الأجنبية وطرق إنفاذها، وذلك من خلال الانضمام لاتفاقيات التحكيم الدولية التي لا غنى للدول عنها، نظراً لتداخل شعوب هذه الدول واشتراك المصالح فيما بينهم.
ويعتبر تنفيذ حكم التحكيم هو الهدف الأساسي الذي يلجأ بموجبه الأطراف للتحكيم، لما يتصف به التحكيم من مميزات متعددة قد لا تتوفر في القضاء، حيث يتميز بسرعة الفصل في النزاع، وحرية الأطراف في اختيار القانون الواجب التطبيق، وحرية اختيار هيئة التحكيم، ومكان انعقاد جلسات التحكيم وغيرها من المميزات.
وفي ظل توافر المميزات المتعددة للتحكيم، فإن الأمر يتطلب وجود نظام قانوني يواكب هذه المميزات، وبشكل يضمن تنفيذ الأحكام الصادرة عن هيئة التحكيم، ولذلك شرعت الدول في سن القوانين الوطنية الداخلية المتعلقة بالتحكيم متضمنة تنظيم عملية تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية، كما أهتم المجتمع الدولي بمسألة الاعتراف بأحكام التحكيم الأجنبية وضرورة تنفيذها، من خلال إبرام عدد من الاتفاقيات الدولية، وضرورة انضمام الدول إلى هذه الاتفاقيات. نستعرض في هذه المقالة وجوب تنفيذ الاحكام الأجنبية وفقاً للتشريع الاماراتي، واتفاقية نيويورك المتعلقة بالاعتراف بأحكام وقرارات التحكيم الأجنبية.
كما ذكرنا في مقدمة هذه المقالة، فقد اهتم المجتمع الدولي بمسألة الاعتراف بقرارات التحكيم الأجنبية، ولذلك تم إبرام عدد من الاتفاقيات في هذا الشأن، ولعل من أبرز هذه الاتفاقيات هي اتفاقية نيويورك لسنة (1958) بشأن الاعتراف بقرارات التحكيم الأجنبية وإنفاذها، حيث قرر المجلس الاقتصادي التابع للأمم المتحدة – إبان انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة الخاص بشأن التحكيم التجاري الدولي في نيويورك بتاريخ 20 مايو سنة 1958– الدعوة لعقد مؤتمر لهذا الغرض.
وتهدف الاتفاقية إلى عدم التمييز تجاه قرارات التحكيم الأجنبية غير المحلية، والاعتراف بهذه القرارات وإنفاذها، وتوفير معايير تشريعية مشتركة بشأن اتفاقات التحكيم والاعتراف بها، كما تسعى الاتفاقية إلى اعتراف المحاكم المحلية بقرارات التحكيم الأجنبية وإنفاذها، وتقتضي اتفاقية نيويورك من محاكم الدول الأعضاء أن تجعل من اتفاقات التحكيم ذات مفعول تام، بحيث يتم حرمان أطراف النزاع من اللجوء إلى المحكمة إخلالاً بالاتفاق على إحالة النزاع للتحكيم؛ ومن ثم فإن الدول الأعضاء في الاتفاقية تكون ملزمة بضمان الاعتراف بهذه القرارات واعتبارها قابلة للنفاذ في ولايتها القضائية مثلها مثل قرارات التحكيم المحلية.
ووفقاً للمادة الأولى من اتفاقية نيويورك فإن الاتفاقية تطبق على الاعتراف بقرارات التحكيم الأجنبية وتنفيذها متى ما صدرت في أراضي دولة تختلف عن الدولة المراد الاعتراف بهذه القرارات وتنفيذها فيها، ومتى ما كانت هذه القرارات ناشئة عن خلافات بين الأشخاص. ويجوز للدول الأطراف في الاتفاقية أن تعلن أنها لن تطبق الاتفاقية إلا بالنسبة للاعتراف بالقرارات التي تصدر في دولة طرف في الاتفاقية ولتنفيذ هذه القرارات، كما يجوز لها الإعلان عن عدم تطبيق الاتفاقية إلا بالنسبة للخلافات الناشئة عن علاقات قانونية، وتعتبر علاقات تجارية وفقاً للقانون المحلي للدولة التي تصدر هذا الإعلان.
وعلى الرغم من الزامية اتفاقية نيويورك بشأن الاعتراف بالقرارات الأجنبية وإنفاذها، للدول الأطراف بضرورة الاعتراف بقرارات التحكيم الأجنبية ووجوب إنفاذها؛ إلا أن الاتفاقية حددت أسباب يجوز للمحاكم المحلية الاستناد إليها في رفض الاعتراف بهذه القرارات وإنفاذها بناءً على طلب الطرف الذي يُحتج بها تجاهه، وتشمل الأسباب الآتي:
ايضاً أوردت الاتفاقية سببين إضافيين يجوز للمحكمة الاستناد عليهما، من تلقاء نفسها لتبرير رفض الاعتراف بقرار التحكيم أو رفض تنفيذه، ويتعلق أحد السببين بالسياسة العامة للدولة العضو، بينما يتعلق السبب الآخر بقابلية القرار للتحكيم.
تصفح ايضاً: إجراءات عملية التحكيم في الامارات
وفقاً للمادة (3) من اتفاقية نيويورك بشأن الاعتراف بقرارات التحكيم الأجنبية – التحكيم التجاري الدولي – وتنفيذها؛ يجب على أي دولة تكون طرف في الاتفاقية الاعتراف بقرارات التحكيم على أنها قرارات ملزمة، ومن ثم القيام بتنفيذها وفقاً للإجراءات المتبعة في الإقليم الذي يحتج فيه بالقرار، وبالشروط الواردة في الاتفاقية، ولا تُفرض شروط أكثر تشدد أو أعباء أو رسوم أعلى بكثير مما يفرض على الاعتراف بقرارات التحكيم المحلية في الإقليم أو على تنفيذها.
واشترطت المادة (4) من الاتفاقية، في سبيل الحصول على الاعتراف والتنفيذ، أن يقوم الطرف الذي يطلب الاعتراف والتنفيذ عند تقديم طلبه، بتقديم الآتي:
ومن الشروط الواجبة لضمان الاعتراف بقرار التحكيم الأجنبي أو تنفيذه؛ أنه إذا كان الحكم أو الاتفاق مكتوباً بلغة خلاف اللغة الرسمية المحتج فيه بالقرار، عندئذ يجب على الطرف مقدم الطلب ترجمة ذلك القرار أو الحكم المراد الاعتراف به أو تنفيذه، إلى اللغة الرسمية في هذا البلد.
ووفقاً للمادة (5) من اتفاقية نيويورك سالفة الذكر، يجوز للطرف المحتج ضده أن يتقدم بطلب إلى السلطة المختصة بالاعتراف وتنفيذ الحكم أو القرار الأجنبي، مطالباً برفض الاعتراف بالقرار ورفض تنفيذه شريطة أن يثبت الآتي:
وفي جميع الأحوال يجوز للسلطة المختصة في البلد الذي يطلب فيه الاعتراف بقرار التحكيم وتنفيذه، أن ترفض الاعتراف بالقرار، إذا تبين لها عدم إمكانية تسوية موضوع النزاع عن طريق التحكيم طبقاً لقانون الدولة، أو أن الاعتراف به أو تنفيذه يتعارض مع السياسة العامة للدولة.
التشريع الاماراتي والاعتراف بقرارات التحكيم الأجنبية
بتاريخ اليوم الموافق 17 جمادى الأولى من العام 1427ه، أصدر صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، المرسوم الاتحادي رقم (43) لسنة 2006 الخاص بانضمام دولة الإمارات لاتفاقية نيويورك المتعلقة بالاعتراف بقرارات التحكيم الأجنبية وتنفيذها، ومنذ ذلك التاريخ أصبحت دولة الإمارات طرفاً في الاتفاقية، حيث صدر المرسوم مرفقاً به نصوص وأحكام الاتفاقية.
كما أصدر سيادته، القانون الاتحادي رقم (6) لسنة 2018 بشأن التحكيم، وهو القانون الذي اشتمل على إجراءات تنفيذ أحكام التحكيم والاعتراف بها أمام المحاكم المحلية وفقاً لضوابط وشروط محددة رسمها القانون لذلك. وذكرت المادة (2) من القانون – المتعلقة بنطاق سريانه – أن تسري أحكامه على كل تحكيم تجاري دولي يجري خارج الدولة، تم الاتفاق بين أطرافه على أن يخضع لأحكام هذا القانون، وكذلك الاعتراف بالاتفاق الذي يتم بين الأطراف بتطبيق قانون آخر غير هذا القانون، شريطة ألا يتعارض ذلك القانون المتفق على تطبيقه مع النظام العام والآداب العامة في دولة الإمارات العربية المتحدة.
وأصبغت المادة (3) من قانون التحكيم الإماراتي، الصفة الدولية على التحكيم حتى لو جرى داخل الدولة، في الحالات التالية:
الإجراءات الواجبة الاتباع في التحكيم
حددت المادة (23) من قانون التحكيم الإماراتي رقم (6) لسنة 2018، الإجراءات التي يجب اتباعها في التحكيم، وذكرت بأنه يجوز للأطراف الاتفاق على الإجراءات التي يجب على الهيئة اتباعها للسير في عملية التحكيم، كما لهم أن يتفقوا على إخضاع هذه الإجراءات للقواعد المعمول بها في أي مؤسسة تحكيم في الدولة أو خارجها. أما في حالة عدم وجود اتفاق بين الأطراف على اتباع إجراءات معينة، عندئذٍ يجوز لهيئة التحكيم تحديد الإجراءات التي تراها مناسبة، بما لا يتعارض مع الاتفاقيات الدولية التي تكون الدولة عضواً فيها، والمبادئ الأساسية في التقاضي، وذلك مع مراعاة أحكام قانون التحكيم الإماراتي.
إدارة البحوث و النشر
أتش أتش أس للخدمات القانونية ش م ح.
دولة الإمارات العربية المتحدة.
للاستعلام عن الخدمة:
واتس اب (كتابة فقط ) : 971521782469
ايميل: sales@hhslawyers.com