تُعد مسألة منح هبة للقاصر من الموضوعات القانونية الدقيقة في الإمارات، خاصة في ظل وجود ضوابط تحكم أهلية القاصر وكيفية قبول الهبة نيابة عنه. ويستند هذا الموضوع إلى أحكام قانون المعاملات المدنية التي أقرّت جواز الهبة للقاصر، لكنها ربطتها بشروط تضمن حماية أمواله ومصلحته. في هذا المقال نعرض الإطار القانوني للهبة، ومتى تجوز الهبة للقاصر وما يجب على أولياء الأمور معرفته قبل إتمام الهبة.
الإطار القانوني ومفهوم الهبة في التشريع الإماراتي
الهبة – أو “الهبة” باللغة العربية (الواهب، الموهوب له) – تُعرّف بأنها التنازل الطوعي عن ملكية شيء أو حق في ملكية دون مقابل من الواهب إلى الموهوب له.
بموجب القانون الاتحادي رقم (5) لسنة 1985 والمتعلق بإصدار قانون المعاملات المدنية لدولة الإمارات العربية المتحدة وتعديلاته بالمرسوم بقانون اتحادي رقم (30) لسنة 2020، فإنّ الهبة وردت في الباب المتعلّق بالهبات، حيث جاء في المادة (614) أنّ “الهبة هي نقل الشيء أو حق فيه إلى غير الواهب خلال حياته دون مقابل.
وتشترط الهبة للتأسيس، القصد الواضح بالهبة، قبول الموهوب له، وتسليم الملك أو الحق، وقد نصت المادة (619) من نفس القانون على أنه: “لا يجوز أن يكون الواهب مقيداً في الهبة، ولا الموهوب له مقيداً.
وعليه، فإن أول شرط لصحة الهبة أن يكون الواهب يتمتع بالأهلية القانونية لإجراء التنازل، وأن يكون الموهوب له – وفق ما يسمح به نظام الأهلية – قادراً على قبول الهبة، أو يتمثل ذلك عبر وليه القانوني أو النفعي إن كان قاصراً.
كما أنّ القانون رقم (14) لسنة 2017 بشأن تنظيم الأوقاف والهبات في إمارة دبي نظّم كذلك الهبات ضمن سياق الأوقاف والهبات، وإن تركزت غالباً في الجانب المجتمعي؛ لكنّها تؤكد ضرورة توافر أهلية الواهب والعوض الصحيح.
بناء على ذلك، فإنّ الأساس القانوني للعِبَة في الدولة مؤسّس ويتيح التعامل بها، لكنّه يضع شروطاً خاصة عندما يكون الموهوب له قاصراً أو ناقص الأهلية.
وللاطلاع على المزيد حول أحكام الهبة في دولة الإمارات، يمكن الرجوع إلى مدونة أحكام الهبة من الأب إلى أحد الورثة في دولة الإمارات
الأهلية القانونية للقاصر وفق التشريع الإماراتي
قبل النظر في ما اذا كانت تجوز الهبة للقاصر أم لا، لابد من التأكّد من مدى أهلية القاصر قانوناً لإتمام مثل هذا التصرف، أو مدى وجود مانع قانوني من قبل التشريع الإماراتي.
حيث تنص المادة (157) من قانون المعاملات المدنية الإماراتي على أن: لكل شخص أهلية التعاقد ما لم تُسلب منه أو تُقيّد بقرار قانون.
ثم المادة (158) من نفس القانون تضيف: القاصر الذي لم يبلغ سن التمييز ليس له الحق في التصرف في ماله، وكل ما يقوم به باطل.
من ذلك نستنتج ما يلي:
- القاصر الذي لم يبلغ سن التمييز لا يملك الأهلية القانونية الكاملة لتقبّل الهبة بنفسه.
- أما القاصر الذي بلغ سن التمييز أو أُذن له من وليه في تصرفه المالي، فقد تُتاح له أهلية نسبية يُشترط فيها وجود الإذن أو التفويض من وليه أو من المحكمة حسب الحالة.
- لذا، عقد الهبة لصالح القاصر يطرح تساؤلاً عملياً: هل القاصر (أو وليه) يقبل الهبة؟ وهل القرار يخضع لإشراف قضائي أو وصائي؟
بالتالي، يمكن القول إن جواز الهبة للقاصر ليس مطلقاً؛ بل يخضع لشروط: وجود الولاة أو الوصي، استيفاء الأهلية المقرّر قانوناً، وشروط الهبة نفسها.
شروط الهبة وصحتها وأثرها في حالة القاصر
لمعرفة ما إذا كانت الهبة للقاصر صحيحة قانوناً، لا بد أن ننظر إلى شروط الهبة العامة في التشريع الإماراتي، ثم كيف تنطبق هذه الشروط على حالة القاصر.
شروط الهبة العامة
من الأحكام التي وردت في قانون المعاملات المدنية:
- النية (الواهب يقصد التبرّع دون مقابل).
- القبول من الموهوب له (أو من قام بالقبول نيابة عنه إن لم يكن مؤهّلاً بنفسه).
- تسلّم الموهوب له الشيء أو التصرف في الحق المُهوب أو تسليم الحق إن كان واجب التسليم.
- ألا يكون الواهب مقيّداً على الهبة، أو يكون الموهوب له مقيّداً بأهلية قانونية تمنعه.
- ضمان عدم وجود دين يفوق أصول الواهب قبل نقل الهبة، وإلا كانت باطلة.
تطبيقها على القاصر
حينما تكون الموهوب له قاصراً، يجب مراعاة:
- أن القاصر الذي لم يبلغ سن التمييز يكون بموجب المادة (158) غير مؤهّل قانونياً لتصرفات منفردة، فيكون قبوله للهبة عبر وليه أو بسبب إذن من المحكمة أو الوصي.
- عند انتقال الملكية لصالح القاصر، يلزم أن تُدخَل ضمن إدارة مال القاصر أو وصايته أو وليّه، وأن التصرف لا يخلّ بمصلحة القاصر ولا يشكل خَطراً عليه.
- إنّ وثيقة الهبة قد تتضمن شرطاً بأن يتولّى الولي أو الوصي إدارة الهبة إلى أن يبلغ القاصر سنّاً معينة أو يتحقق شرط معين، بما يتناسب مع مبدأ حماية القاصر.
- لا توجد نصوص صريحة في التشريع الفيدرالي أو تشريعات الإمارات تفيد بمنع مطلق للهبة لصالح القاصر، ولكن ما ورد من أحكام الأهلية يجعل الأمر خاضعاً للمسار القضائي أو الولي أو الوصي. وبذلك، يجوز الهبة للقاصر شرط توافر الأهلية أو الولاية والوعي بحماية مصلحة القاصر.
هل تجوز الهبة للقاصر في دولة الإمارات؟
نعم، تجوز الهبة للقاصر إلا أنّها تخضع لضوابط صارمة:
- في حال كان الواهب يهب لقاصر حسب إرادته الشرعية، فإن قانون المعاملات المدنية يقبل الهبة الموجّهة للقاصر، بشرط أن تُتمّ شروط الهبة (القبول والتسلّم) وفق ما ورد في المادة (615) للّهبَة.
- لكن من جهة أخرى، البند المنصوص عليه في المادة (628) يقضي بأنّ “الهبة التي تتمّ من القاصر بغير مقابل” باطلة، بمعنى أن القاصر نفسه لا يمكن أن يقوم بعمل هبة من ماله دون عوض – أو بمعنى لا يُقبل منه التصرف الحرّ في الهبة كما لو كان بالغاً كاملاً، ما لم يكن ذلك لصالحه (تصرفاً نافعاً نفعاً محضاً وليس ضاراً ضرراً محضاً أو دائر بين النفع والضرر) أو بتصديق مانحه أو وليّه
- وعليه، عندما يكون الموهوب له قاصراً فإنّ الهبة مسموحة، لكن من الذي يقوم بها أو يقبلها – وكيف تُدار – يتطلب النظر في الوصاية والقيّم والولاية، ويجب أن تُدار بما يحفظ مصلحة القاصر وحقوقه، وألاّ تكون الهبة بإضرار للقاصر الموهَب له.
المزيد من المعلومات تجدونها في مقال الهبة في الشريعة والقانون.
أخطار ونقاط تحذيرية عند منح الهبة للقاصر
إن جواز الهبة للقاصر لا يخلو من أخطار قانونية وعملية، إذ يجب التنبه إلى ما يلي:
- عدم حصول القبول من القاصر أو عبر وليّه قد يؤدي إلى بطلان الهبة أو شكوى لاحقة.
- أن يقوم الواهب بتصرفات لاحقة تخلّ بحقوق الدائنين أو تزيد ديونه بعد الهبة، فقد يطلب استردادها بحسب المادة (619) من قانون المعاملات المدنية.
- الهبة التي تُخالف مصلحة القاصر أو تضعه في وضع قانوني أو مالي يصعب تصحيحه مستقبلاً، قد تتعرض للطعن أمام القضاء.
- في حالة العقارات أو حقوق الملكية، وجود قيود مثلاً على النسب العائلية أو اشتراطات تحويل الملكية، أو قد يحتاج الأمر إلى موافقة الجهات المختصة أو تسجيل رسمي.
- غياب الاستشارة القانونية أو الصياغة غير السليمة لوثيقة الهبة قد يؤدي إلى نزاع بين الورثة، أو بين القاصر ووليّه، أو الجهات الوصائية.
لذا، من الحكمة دائماً اللجوء إلى استشارة قانونية مبكّرة لضمان سلامة الإجراء وتجنّب تداعيات مستقبلية.
- من المهم أن يتم إعداد وثيقة الهبة بشكل احترافي، تُبيّن نية الواهب، قبول القاصر عبر وليه، وصيغة تسليم أو نقل الملكية أو الحق، مع تسجيل أي شروط أو إجراءات إضافية، وهذه الخطوة يمكن أن تضطلع بها جهات قانونية متخصصة مثل مكتب أتش أتش أس للخدمات القانونية.
- إن التعامل مع الهبة لصالح القاصر يتطلب عادة مراجعة أثرها على حقوق القاصر، التأكد من عدم المساس بحقوق الدائنين، وضمان تسجيل التصرف – خاصة إذا كان عقاراً أو حقاً مكّوناً – لدى الجهات المختصة في دبي أو الإمارات الأخرى.
- نوصي الأسر أو أولياء الأمور الذين يفكّرون في إجراء هبة لصالح القاصر بأن يبدأوا بمشورة قانونية تفصيلية، لتحديد ما إذا كان القاصر بلغ سن التمييز، وما إذا كان من الضروري إشراك القضاء أو الوصي، وضمان أن الوثيقة تلبي شروط الصحة القانونية والتسجيل الرسمي.
إن إجراء هبة لصالح قاصر في دولة الإمارات يحتاج إلى دراسة قانونية دقيقة لضمان سلامة التصرف وحماية حقوق القاصر، خاصة في المعاملات العقارية أو المالية. ويمكن لفريق أتش أتش أس للخدمات القانونية مساعدتكم في إعداد وصياغة وتسجيل الهبات وفق التشريعات السارية، وتقديم المشورة المناسبة لكل حالة. للمزيد من التوجيهات القانونية المتخصصة يمكنكم التواصل معنا للحصول على الاستشارة القانونية التي تحتاجونها.
إدارة البحوث والنشر
أتش أتش أس للخدمات القانونية ش م ح.
دولة الإمارات العربية المتحدة.
للاستعلام عن الخدمة:
واتس اب (كتابة فقط): 971521782469
sales@hhslawyers.com