تعتمد الدول في عصرنا الحاضر على التحكيم باعتباره أحد الوسائل البديلة في فض المنازعات بين الخصوم، بدلاً من اللجوء للقضاء، وقد ظهرت العديد من التشريعات الوطنية الخاصة بتنظيم إجراءات التحكيم المتمثلة في قوانين التحكيم في عدد من بلدان العالم ومن بينها دولة الإمارات العربية المتحدة. هذا وقد أسهم التحكيم بفاعلية في معالجة عدد من القضايا والمنازعات، نظراً لمرونة أحكام قوانين التحكيم في التعامل مع تلك القضايا.
وعلى الرغم من تمتع أحكام التحكيم بخصائص الأحكام القضائية، وتحوز حجية الأمر المقضي فيه، مع وجوب نفاذها، إلا أنها تخضع لرقابة القضاء، لضمان سلامة وقانونية الإجراءات المتعلقة بالتحكيم حتى صدور حكم التحكيم وتنفيذه. وقد يشوب اتفاق التحكيم في الإمارات العربية المتحدة، نوع من التنازع بسبب إخلال أحد أطراف الاتفاق ببنوده وعدم الالتزام به، الأمر الذي يحتم وجوب إنفاذه متى ما كان سليماً ومستوفياً لكافة المتطلبات القانونية. في هذه المقالة نتناول أهم الجوانب المتعلقة بالتحكيم، وضرورة تنفيذ اتفاق وحكم التحكيم، وفقاً لقانون التحكيم الإماراتي.
قانون التحكيم الإماراتي ونطاق التطبيق
أصدر صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، القانون الاتحادي رقم (6) لسنة 2018 بشأن التحكيم، وعرف قانون التحكيم بأنه الوسيلة التي ينظمها القانون، ويتم من خلالها الفصل في نزاع بين طرفين أو أكثر بحكم ملزم، وذلك بناء على اتفاق الأطراف، وبواسطة هيئة التحكيم المشكلة من محكم فرد أو أكثر.
ويطبق قانون التحكيم الإماراتي على كل تحكيم يتم داخل الدولة، إلا إذا أتفق أطرافه على أن يخضع لقانون آخر، شريطة ألا يتعارض القانون الآخر مع النظام العام والآداب العامة لدولة الإمارات العربية المتحدة، كما يطبق على التحكيم الناشئ عن نزاع متعلق بعلاقة قانونية تنظمها القوانين المعمول بها في الدولة، إلا ما تم استثناؤه فيها بنص خاص، أيضاً يطبق على التحكيم التجاري الدولي الذي يجري في الخارج، إذا اتفق أطرافه على إخضاعه لأحكام.
ما هو اتفاق التحكيم؟
عرف قانون التحكيم الإماراتي اتفاق التحكيم بأنه، اتفاق يتم بين أطراف النزاع على اللجوء إلى التحكيم، ويمكن أن يكون الاتفاق قبل حدوث النزاع أو بعده. ووفقاً للمادة (4) من قانون التحكيم الإماراتي، يتطلب الاتفاق على التحكيم الاهلية القانونية لأطرافه، إذ لا ينعقد إلا من الشخص الطبيعي الذي يتمتع بأهلية التصرف في الحقوق، وينعقد كذلك من ممثل الشخص الاعتباري الذي يتم تفويضه في إبرام الاتفاق على التحكيم.
ولا يجوز للأطراف الاتفاق على التحكيم في المسائل الغير قابلة للصلح، بينما يجوز لهم في الأحوال التي يجيز فيها القانون الاتفاق على الإجراء الواجب اتباعه للبت في مسألة معينة، تفويض غيرهم سواء كان شخصاً طبيعياً أو مؤسسة تحكيم داخل الدولة أو خارجها، لاختيار هذا الإجراء أو البت فيه. يشار إلى الاتفاق على التحكيم لا ينتهي بوفاة أحد الاطراف، بل يمكن تنفيذه بواسطة خلفه القانوني أو في مواجهته، ما لم يتفق أطراف الاتفاق على غير ذلك.
صور اتفاق التحكيم
وفقاً للمادة (5) من قانون التحكيم الإماراتي رقم (6) لسنة 2018، يتخذ اتفاق التحكيم الصور التالية:
- يجوز أن يتم الاتفاق على التحكيم قبل حدوث النزاع، سواء كان مستقلاً بذاته أو ورد في صيغة عقد معين بشأن المنازعات التي قد تنشأ بين الأطراف.
- يجوز الاتفاق على اللجوء للتحكيم بعد قيام النزاع، ولو سبق أن أقيمت دعوى في شأنه أمام أي محكمة، مع ضرورة أن يحدد الاتفاق المسائل التي يشملها التحكيم.
- يجوز أن يكون الاتفاق على التحكيم عن طريق الإحالة التي ترد في عقد أو أي وثيقة تتضمن شرط التحكيم إذا كانت الإحالة واضحة في اعتبار هذا الشرط جزءاً لا يتجزأ من العقد.
ضرورة استقلالية وكتابة اتفاق التحكيم
حسب المادة (6) من قانون التحكيم الإماراتي، فإن اتفاق التحكيم، حتى يكتسب قوة الإلزام التي توجب انفاذه، يجب أن يكون مستقلاً عن بقية شروط العقد الأخرى، ولا يترتب على بطلان العقد أو انهائه أو فسخه أي أثر على اتفاق التحكيم متى كان صحيحاً في ذاته، ما لم يتعلق الأمر بنقصان أهلية أحد المتعاقدين. ولا يترتب على الدفع ببطلان العقد الذي يشتمل على اتفاق التحكيم أو إنهائه أو فسخه، وقف إجراءات التحكيم، ويجوز للمحكمين الفصل في مدى صحة ذلك العقد من عدمها.
وقضت المادة (7) من قانون التحكيم الإماراتي، بضرورة كتابة اتفاق التحكيم لكي يكون صحيحاً وقابلاً للتنفيذ، واشتملت على ما يلي:
- يجب أن يكون الاتفاق على التحكيم مكتوباً وإلا كان باطلاً.
- يعتبر الاتفاق مستوفياً لشروط الكتابة في أي من الحالات الآتية:
أ- إذا تضمنه محرر تم توقيعه من قبل الأطراف أو ورد فيما تبادلوه من رسائل أو بأي وسيلة من وسائل الاتصال المكتوبة أو تم بناءً على رسالة الكترونية وفقاً لقواعد المعاملات الالكترونية النافذة في الدولة
ب- إذا أحيل في عقد ثابت بالكتابة إلى اتفاقية دولية أو أحكام عقد نموذجي أو أي وثيقة أخرى تتضمن شرط التحكيم وكانت الإحالة واضحة في اعتبار هذا الشرط بأنها جزء من العقد
ت- إذا تم الاتفاق بين الأطراف على اللجوء للتحكيم أثناء نظر النزاع أمام المحكمة المختصة، يجب على المحكمة أن تصدر حكمها بإثبات هذا الاتفاق وأن تترك للخصوم مباشرة إجراءات التحكيم في الزمان والمكان المحددين، وبالشروط التي تحكمه، وأن تقضي باعتبار الدعوى كأن لم تكن.
ث- إذا ورد في المذكرات المتبادلة بين أطراف النزاع أثناء إجراءات التحكيم والتي يطلب فيها أحد الأطراف إحالة النزاع إلى التحكيم ولم يعترض الطرف الآخر على ذلك في معرض دفاعه
دور القضاء في الفصل في النزاع المتضمن اتفاق التحكيم
وفقاً للمادة الثامنة من قانون التحكيم الإماراتي، فإنه إذا تم رفع نزاع أمام المحكمة مشتملاً على اتفاق التحكيم، عندئذٍ يجب على تلك المحكمة أن تحكم بعدم قبول الدعوى إذا قدم المدعى عليه دفعاً بذلك قبل أن يقدم أي طلب أو دفع في موضوع الدعوى، إلا إذا تبين للمحكمة أن الاتفاق على التحكيم باطل أو يستحيل تنفيذه، بيد أنه لا يحول رفع الدعوى دون البدء في إجراءات التحكيم أو الاستمرار فيها أو إصدار حكم التحكيم.
تجدر الإشارة إلى أن أحكام التحكيم الصادرة من قبل هيئة التحكيم وفقاً لأحكام قانون التحكيم الإماراتي، تعتبر أحكاماً ملزمةً للأطراف، وتحوز حجية الأمر المقضي، ويكون لها القوة التنفيذية كما لو كانت حكماً قضائياً، ولكن يشترط لتنفيذ حكم التحكيم المصادقة عليه بقرار من المحكمة المختصة. ولا يجوز الاعتراض على حكم التحكيم من قبل الأطراف، إلا بموجب رفع دعوى بطلان إلى المحكمة المختصة أو أثناء نظر طلب المصادقة على الحكم، ووفقاً للشروط المقررة في قانون التحكيم الإماراتي.
إدارة البحوث و النشر
أتش أتش أس للخدمات القانونية ش م ح.
دولة الإمارات العربية المتحدة.
للاستعلام عن الخدمة:
واتس اب (كتابة فقط ) : 971521782469
ايميل: sales@hhslawyers.com