تُعدّ واقعة إصدار شيك بدون رصيد من القضايا التجارية التي حظيت باهتمام بالغ في التشريعات الإماراتية نظرًا لارتباطها المباشر بالثقة في المعاملات التجارية وحماية الائتمان. وقد جاء مرسوم بقانون اتحادي رقم (50) لسنة 2022 بشأن إصدار قانون المعاملات التجارية ليحدث نقلة نوعية في تنظيم أحكام الشيكات، عبر الموازنة بين الردع الجنائي والحماية المدنية للمستفيد.
وتعتبر واقعةإصدار شيك بدون رصيد من أكثر القضايا المالية شيوعاً في المعاملات التجارية والمدنية، من القضايا الأكثر تداولًا أمام المحاكم في دولة الإمارات العربية المتحدة، لما تمثله من تهديد للثقة في التعاملات التجارية والمالية. فقد حرص المشرّع الإماراتي على وضع إطار قانوني واضح لحماية المتعاملين بالشيكات باعتبارها أداة وفاء وليس مجرد أداة ائتمان، وهو ما يميّز التشريع الإماراتي عن العديد من التشريعات الأخرى.
وقد أولت التشريعات الإماراتية هذه الواقعة اهتماماً بالغاً، نظراً لتأثيرها المباشر على الثقة بالمعاملات التجارية وحماية الحقوق المالية للأفراد والشركات.
الإطار التشريعي لواقعة إصدار شيك بدون رصيد
مع صدور المرسوم بقانون اتحادي رقم (50) لسنة 2022 بإصدار قانون المعاملات التجارية، أُعيد رسم ملامح المسؤولية الجنائية في قضايا الشيكات. حيث ألغى المشرّع بعض صور التجريم البسيطة التي كان يتم اللجوء إليها بشكل مفرط، وأبقى على التجريم في حالات محددة وواضحة، مثل:
- تعمّد تحرير شيك على غير الحقيقة.
- سحب كامل الرصيد أو جزء منه بعد إصدار الشيك.
- إصدار تعليمات غير مشروعة للبنك بعدم الدفع.
وفي المقابل، عزز المشرّع الوسائل المدنية والتنفيذية، فبات بإمكان المستفيد التقدّم مباشرة بطلب التنفيذ على الساحب عبر المحاكم المختصة باستخدام الشيك كورقة تنفيذية، دون المرور بإجراءات جزائية معقدة.
ويمكن الاطلاع على مزيد من التفاصيل عبر مقالنا حول قانون الشيكات الجديد في الإمارات
وقد أدخل المشرّع الإماراتي تعديلات جوهرية بموجب المرسوم بقانون اتحادي رقم 14 لسنة 2020 على قانون المعاملات التجارية، بحيث أصبحت بعض صور إصدار شيك بدون رصيد جنحة معاقب عليها بالغرامة فقط، بينما ظلت بعض الحالات الجسيمة محلاً للعقوبات الجنائية الأشد، ويتمثل جوهر هذه الواقعة في تحرير شيك دون وجود مقابل وفاء كافٍ وقابل للسحب عند تاريخ الاستحقاق.
واستنادًا إلى القانون الاتحادي رقم (14) لسنة 2020 المعدّل لقانون المعاملات التجارية، أُدخلت تعديلات جوهرية تهدف إلى تقليص الطابع الجنائي للشيكات، مع الإبقاء على صور معينة تُشكّل جريمة واضحة مثل:
- سحب الشيك دون وجود رصيد كافٍ قائم وقابل للسحب.
- استرداد كامل أو جزء من الرصيد بعد إصدار الشيك.
- إصدار أمر للمصرف بعدم صرف الشيك دون مسوغ قانوني.
- تحرير الشيك بصورة تمنع صرفه (مثل التوقيع غير المطابق أو التلاعب في البيانات).
وقد نصت المادة (641 مكررًا) من القانون على العقوبات التي قد تصل إلى الحبس والغرامة، مع احتفاظ المستفيد بالحق المدني في المطالبة بكامل قيمة الشيك.
ماهي الطبيعة القانونية للشيك؟
الشيك في التشريع الإماراتي ليس مجرد أداة وفاء، بل يتمتع بقوة تنفيذية مماثلة للأحكام القضائية. وبالتالي، فإن حماية الشيك تعني حماية استقرار المعاملات التجارية وضمان سرعة تداول الأموال. وهذا ما يفسر تشدد القضاء الإماراتي في التعامل مع قضايا الشيكات بدون رصيد.
ويقع الفعل المجرّم حين يقوم الساحب بتحرير شيك مع علمه بعدم وجود رصيد كافٍ قائم وقابل للسحب لدى البنك المسحوب عليه. وتقوم الجريمة كذلك إذا استرد الساحب الرصيد بعد إصدار الشيك، أو أصدر أمرًا للبنك بعدم الدفع، أو حرّر الشيك على نحو يحول دون صرفه.
ويرى القضاء الإماراتي أن الشيك يتمتع بصفة “أداة وفاء” فورية، وليس مجرد وعد بالدفع. وبالتالي فإن:
- الوفاء بقيمة الشيك يُعد التزامًا مباشرًا غير معلق على شرط.
- المماطلة أو التحايل في الدفع يُشكل إخلالًا بالثقة العامة، الأمر الذي يبرر التدخل الجزائي لحماية التعاملات التجارية.
ولكي تتحقق الجريمة، لا بد من توافر أركان هذه الجريمة والعناصر التالية:
- الركن المادي: وهو إصدار شيك مسحوب على بنك قائم ومحرر وفقاً للشروط الشكلية والقانونية، دون وجود رصيد قائم أو كافٍ أو قابل للسحب. ويتحقق بمجرد إصدار الشيك وتسليمه للمستفيد مع انعدام الرصيد أو وجود عيب يمنع صرفه. لا يشترط أن يرفض البنك الدفع رسميًا، بل يكفي تحقق الواقعة
- الركن المعنوي: يتمثل في علم الساحب وقت إصدار الشيك بعدم وجود رصيد كافٍ لتغطيته. ويتمثل في سوء نية الساحب، أي علمه بعدم كفاية الرصيد أو تعمده إصدار تعليمات مخالفة.
- الضرر: يتمثل في المساس بثقة المستفيد بالمعاملة المالية، حتى لو لم يثبت وقوع ضرر مالي فعلي.
وقد حدد المشرع عدة صور تعد من قبيل إصدار شيك بدون رصيد، منها:
- إصدار شيك مع علم الساحب بعدم وجود رصيد قائم.
- سحب الرصيد كليًا أو جزئيًا بعد إصدار الشيك.
- إصدار أمر للمصرف بعدم صرف الشيك بغير وجه حق.
- تحرير شيك بصورة تمنع صرفه، مثل توقيع غير مطابق أو اختلاف البيانات.
ومن الناحية العملية، تُشكل واقعة إصدار شيك بدون رصيد هاجساً للتجار والمستثمرين، إذ قد تؤدي إلى:
- إيقاف نشاط الشركات.
- تقييد حركة الأفراد بسبب أوامر المنع من السفر.
- الإضرار بالسمعة التجارية.
وهنا تبرز أهمية الاستعانة بخبراء قانونيين، مثل أتش أتش أس للخدمات القانونية، لفهم الموقف القانوني بدقة واختيار أنسب الاستراتيجيات للتقاضي أو التسوية.
روابط ذات صلة: التنفيذ المباشر للشيكات في الإمارات
عواقب إصدار شيك بدون رصيد في دولة الإمارات
انّ الحالات البسيطة (مثل عدم كفاية الرصيد) أصبحت مخالفة مالية يُعاقب مرتكبها بغرامة تتراوح بين 2,000 و10,000 درهم حسب قيمة الشيك، أما الحالات المشددة (مثل إصدار شيك مزور أو سحب الرصيد عمدًا) تبقى جرائم جنائية يُعاقب عليها بالحبس أو الغرامة أو كليهما.
- العقوبة الجنائية: الحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر وقد تصل إلى سنتين، أو الغرامة التي لا تقل عن 10,000 درهم ولا تزيد على ضعف قيمة الشيك.
- العقوبة المدنية: للمستفيد الحق في المطالبة بقيمة الشيك والفوائد والتعويض عن الأضرار الناجمة.
- الجزاءات الإدارية: مثل إدراج اسم الساحب في القوائم السوداء لدى البنوك ومنع فتح حسابات جديدة.
بالإضافة إلى العقوبة الجزائية، يحق لحامل الشيك:
- رفع دعوى مدنية للمطالبة بقيمة الشيك.
- الاستفادة من الآلية الجديدة للتحصيل المباشر، حيث أصبح الشيك بمثابة سند تنفيذي يمكن تقديمه مباشرة لدائرة التنفيذ بالمحكمة دون الحاجة لحكم قضائي مسبق.
وقد أدخل المشرع الإماراتي آليات بديلة لتقليل النزاعات الجنائية:
- الصلح الجزائي: يمكن للساحب والمستفيد الاتفاق على التسوية مقابل إسقاط الدعوى الجزائية.
- الأمر الجزائي: منح النيابة العامة صلاحية إصدار أوامر جزائية مباشرة في حالات معينة لتسريع الفصل في قضايا الشيكات.
وحدد المشرّع عقوبات متدرجة، وفقًا لمرسوم بقانون 50/2022، بحيث تشمل:
- الغرامات المالية التي قد تصل إلى ضعف قيمة الشيك.
- الحبس في الحالات التي تتوافر فيها نية الغش أو التلاعب المتعمد.
- المنع من إصدار دفاتر شيكات جديدة لفترة محددة.
وتراعي المحاكم في تقدير العقوبة ظروف الواقعة وسلوك الساحب، بما يحقق الردع العام والخاص في آن واحد.
لا يقتصر الأمر على العقوبة الجنائية، بل يمتد ليشمل الآثار المدنية التي تُمكّن المستفيد من تحصيل حقه مباشرة. إذ اعتبر القانون الشيك سندًا تنفيذيًا، بما يسمح للدائن باتخاذ إجراءات التنفيذ الجبري على أموال الساحب دون الحاجة لرفع دعوى موضوعية طويلة. وهذا التوجه ينسجم مع رؤية دولة الإمارات في تسهيل بيئة الأعمال وتقليص النزاعات.
ويحق لحامل الشيك:
- رفع دعوى مدنية للمطالبة بقيمة الشيك.
- الاستفادة من الآلية الجديدة للتحصيل المباشر، حيث أصبح الشيك بمثابة سند تنفيذي يمكن تقديمه مباشرة لدائرة التنفيذ بالمحكمة دون الحاجة لحكم قضائي مسبق.
ويمكن الاطلاع على مزيد من التفاصيل عبر مقالنا حول الشيك كأداة تنفيذ مباشر المنشور على موقعنا.
دور المحامي المتخصص في قضايا الشيكات
إن التعامل مع قضايا إصدار شيك بدون رصيد يتطلب خبرة قانونية متعمقة لتمييز الحالات الجنائية البحتة عن تلك التي يمكن معالجتها بالوسائل المدنية والتنفيذية.
ونظرًا لتعقيد هذه القضايا وتداخلها بين الجانب الجزائي والمدني، فإن دور المحامي أساسي في:
- الدفاع عن المتهم وتقديم الدفوع القانونية المناسبة.
- مساعدة المستفيد على تحصيل قيمة الشيك بسرعة من خلال دوائر التنفيذ.
- التفاوض للوصول إلى تسويات ودية تجنب الطرفين النزاعات الطويلة.
وقد أكدت التجربة العملية أن اللجوء إلى مكاتب محاماة رصينة مثل أتش أتش أس للخدمات القانونية يوفّر للمتعاملين المشورة الدقيقة ويضمن حماية مصالحهم وفق أحدث التشريعات، وفي هذا الإطار، يقدم مكتب أتش أتش أس للخدمات القانونية خبراته الواسعة في تمثيل العملاء أمام المحاكم والجهات المختصة في مثل هذه القضايا.
وكتوصيات ونصائح قانونية للمتعاملين بالشيكات فإنه ينصح:
- التحقق من الرصيد وكفايته قبل إصدار الشيك.
- تجنب إصدار تعليمات غير مشروعة للبنك، والامتناع عن إصدار أوامر غير قانونية بعدم الصرف.
- الاحتفاظ بسجل مكتوب للتعاملات المصرفية، وبسجلات دقيقة للتعاملات التجارية المرتبطة بالشيكات، (الاحتفاظ بسجلات دقيقة لجميع الشيكات المصدرة والمستلمة.
- عند التعرض لحالة إصدار شيك بدون رصيد، يُستحسن اللجوء فورًا إلى استشارة قانونية متخصصة لتحديد الخيار الأمثل (دعوى مدنية، شكوى جنائية، أو تسوية). والاستعانة بمحامٍ عند مواجهة أي نزاع متعلق بالشيكات وفي حال تلقي شيك رجيع، الإسراع في مراجعة البنك للحصول على شهادة عدم الدفع، كونها سنداً مهماً لإثبات الحق.
تُعد واقعة إصدار شيك بدون رصيد من القضايا الحساسة التي تستلزم معرفة دقيقة بأحكام القانون الإماراتي والإجراءات القضائية الحديثة. وإن التعامل الصحيح مع هذه القضايا يساهم في حماية الحقوق المالية للأفراد والشركات، ويعزز الثقة بالمعاملات التجارية.
قضية إصدار شيك بدون رصيد ليست مجرد مسألة مالية، بل قضية تمس الثقة والائتمان في السوق الإماراتي. وقد أظهر المشرّع الإماراتي مرونة في التوازن بين الحماية الجنائية والبدائل المدنية، بما يضمن سرعة الفصل في النزاعات وحماية الاقتصاد الوطني.
يمكنكم التواصل مع أتش أتش أتس للخدمات القانونية للحصول على استشارة قانونية حول قضايا الشيكات المرتجعة او أية قضية أخرى.
إدارة البحوث والنشر
أتش أتش أس للخدمات القانونية ش م ح.
دولة الإمارات العربية المتحدة.
للاستعلام عن الخدمة:
واتس اب (كتابة فقط ) : 971521782469
ايميل: sales@hhslawyers.com