يُثير طورُ التصفية أسئلةً حسّاسةً لدى الشركاء والدائنين والمتعاملين، وعلى رأسها: هل يمثل المصفي الشركاء بوصفه وكيلًا عنهم، أم يمثل الشركة كشخصٍ اعتباري مستقل؟ تُجيب التشريعات الإماراتية الحديثة بوضوح: المصفي هو الممثل القانوني للشركة طوال مدة التصفية، وتصدر سلطته من القانون وقرار التعيين أو الحكم القضائي، لا من وكالةٍ صادرةٍ عن الشركاء. وقد كرّس المرسوم بقانون اتحادي رقم (32) لسنة 2021 بشأن الشركات التجارية فصلًا خاصًا للتصفية، ونص صراحةً على تمثيل المصفي للشركة، كما تكامل ذلك مع نظام إعادة التنظيم المالي والإفلاس بموجب المرسوم بقانون اتحادي رقم (51) لسنة 2023 ولائحته التنفيذية لعام 2024.
الإطار التشريعي الحاكم لدور المصفي
– قانون الشركات 2021) قانون الشركات الاتحادي رقم (32) لسنة 2021:
أفرد بابًا لتصفية الشركة وقسمة موجوداتها، وأكد اتباع أحكام القانون ما لم يُنَظّم عقدُ الشركة طريقة التصفية. وتضمن هذا الباب واجبات المصفي، وكيفية جرد الأموال، وإخطار الدائنين، وتقديم الحسابات، والمسؤولية عن الأخطاء. ويبرز هنا النص الحاسم في المادة (323) “تمثيل المصفي للشركة”.
وهذا القانون هو المرجع الأساسي لتنظيم الشركات في دولة الإمارات، وقد أكد أن الشركة تظل قائمة خلال فترة التصفية، لكن شخصيتها المعنوية تقتصر على ما يلزم من إجراءات التصفية. وبهذا يصبح المصفي هو المخوّل قانوناً بتمثيل الشركة في مواجهة الغير، وفي الإجراءات القضائية والإدارية، وذلك وفقاً لنطاق سلطاته المحددة في قرار التعيين أو حكم المحكمة.
– قانون إعادة التنظيم المالي والإفلاس 2023 مع اللائحة التنفيذية 2024
(المرسوم بقانون اتحادي رقم (51) لسنة 2023 بشأن إعادة التنظيم المالي والإفلاس):
جاء هذا التشريع ليعزز حماية حقوق الدائنين وينظم إجراءات التعثر والإفلاس، مؤكداً بدوره على استقلالية المصفي أو “أمين التفليسة” بوصفه شخصية محايدة تمثل الشركة في علاقتها مع الأطراف كافة. ومن ثم، فإن سلطته لا تُستمد من وكالة عن الشركاء، بل من القانون أو قرار الجهة القضائية المختصة.
وأعاد تنظيم أدوات المعالجة المبكرة والتصفية القضائية وأدوار الأمين والخبراء وسجلات الإفلاس؛ وهو إطارٌ مكمل يضمن حياد القائم على إجراءات التعثر والتصفية وعدم ارتهانه لإرادة الشركاء بوصفهم موكِّلين. (
وبوابة حكومة الإمارات تؤكد استمرار خضوع الشركات العاملة في الدولة لقانون الشركات التجاري النافذ (32/2021).
لماذا يُعَدُّ المصفي ممثّلًا قانونيًا للشركة وليس وكيلًا عن الشركاء؟
- لماذا يُعَدُّ المصفي ممثّلًا قانونيًا للشركة وليس وكيلًا عن الشركاء؟
- الطبيعة القانونية للشركة
الشركة تعد شخصاً اعتبارياً مستقلاً عن الشركاء. وعليه، فإن التصفية تتم لصالح هذا الشخص المعنوي حتى زواله النهائي، وليس لصالح الأفراد المكونين له. ومن هنا، يمثل المصفي الشركة ككيان قانوني، وليس الشركاء بصفتهم الفردية.
- مصدر السلطة
الوكالةُ تنشأ بإرادة الموكل، بينما سلطة المصفي تنشأ بموجب القانون أو بحكم قضائي / قرار التعيين أو قرار من الشركاء بالتصفية، وتُحدَّد صلاحياته فيهما، وبالتالي، فإن سلطته لا تعتمد على رضا الشركاء، وإنما على أحكام التشريع والقرارات الملزمة.
وعليه فالمصفي لا يستمد صلاحيته من توكيل الشركاء، بل يمارسها لمصلحة الشركة وذمتها المالية خلال التصفية. تؤكد المادة (314) وجوب اتباع أحكام القانون في التصفية، وتؤكد المادة (323) أن المصفي يمثل الشركة في جميع الأعمال التي تقتضيها التصفية والتصرفات القضائية والإدارية.
- بقاء الشخصية الاعتبارية بالقدر اللازم
تبقى الشركة — خلال التصفية — حائزةً للشخصية الاعتبارية بالقدر اللازم لإنهاء الأعمال: جرد الأموال (م320)، إعداد القوائم (م321)، إخطار الدائنين (م324)، وفاء الديون (م325–م326)، تقديم الحسابات (م329–م330)، ومسؤولية المصفي (م332). هذا البناء القانوني يجعل المصفي واجهة الشركة القانونية لا الشركاء.
- الحياد والاستقلالية وتكافؤ المصالح
لو اعتُبر المصفي وكيلاً عن الشركاء، لكان مُلزماً بالدفاع عن مصالحهم الخاصة، وهو ما يتعارض مع طبيعة عمله التي تقوم على تحقيق العدالة بين جميع الأطراف، بما فيهم الدائنون والجهات الحكومية. لذا، جاء النص التشريعي ليُرسّخ حياد المصفي بوصفه ممثلاً قانونياً للشركة.
ولو اعتُبر المصفي وكيلًا عن الشركاء لالتزم قانونًا بتغليب مصلحتهم الخاصة، بينما تُحَمِّله النصوص واجب المساواة بين الدائنين والشركاء وصيانة أموال الشركة، ومنع البدء بأعمال جديدة لا تقتضيها التصفية (م322، م327)، ما يستلزم استقلاله عن إرادة الشركاء.
- نطاق المسؤولية القانونية
المصفي مسؤول عن إدارة أموال الشركة خلال فترة التصفية وفق الضوابط القانونية، ويُسأل شخصياً عن أي إخلال بواجباته. ولو كان مجرد وكيل للشركاء، لكانت مسؤوليته محصورة في نطاق الوكالة، وهو ما لا يتفق مع الدور الحساس المنوط به.
وقررت المادة (332) مسؤولية المصفي إذا أساء تدبير شؤون الشركة خلال التصفية، مع حق الرجوع عليه عن الضرر. وهذه مسؤولية وظيفية مصدرها القانون، لا علاقةَ لها بقواعد الوكالة الخاصة بين الموكل والوكيل.
الأثر العملي لاعتبار المصفي ممثلاً قانونياً ( النتائج العملية لهذا التوصيف القانوني)
- حجية التصرفات: تلتزم الشركة بتصرفات المصفي “في حدود سلطانه” (م331)، وتُحتج بها في مواجهة الغير، ما يمنح المتعاملين يقينًا قانونيًا عند إبرام الاتفاقات خلال التصفية.
- حماية الدائنين: المصفي يعمل لمصلحة ذمة الشركة المالية، مما يضمن حقوق الدائنين، ويُخطر المصفي جميع الدائنين، ويُدير الوفاء وفق أولوية قانونية، ويُودِع المتنازع عليه بخزانة المحكمة (م324–م326).
- شفافية الحسابات: يقدّم المصفي حسابًا مؤقتًا كل ثلاثة أشهر وحسابًا ختاميًا عند الانتهاء، ثم يُقيد إنهاء التصفية ويُشطَّب قيد الشركة (م329–م330).
- التكامل مع نظام الإفلاس: عند التعثر، يوفّر قانون 2023 آليات لإعادة التنظيم أو التصفية القضائية تحت إشراف المحكمة ووحدة الإفلاس وسجلاتها، بما يضمن الحياد المؤسسي في إدارة الذمة المالية بعيدًا عن نفوذ الشركاء. (التشريعات الإماراتية
- ضمان العدالة بين الشركاء: حيث يوزع الموجودات وفق الأنصبة دون تحيز.
- استمرار التعاملات الرسمية: الجهات الحكومية والقضائية تتعامل مع المصفي كممثل للشركة، وليس كوكلاء متعددين للشركاء.
معلومة عملية: في ممارستنا لدى أتش أتش أس للخدمات القانونية نتعامل مع التصفية باعتبارها مسارًا إجرائيًا محكومًا بالنصوص لا بالتفاهمات الخاصة، فننصح بإحكام قرار التعيين وتحديد صلاحيات المصفي ومواعيد التقارير، والحرص على مخاطبة الدائنين وإدارة الموجودات وفق الأولويات النظامية، وتوثيق الحسابات الدورية حتى “الحساب الختامي”.
دور القضاء والتشريعات الحديثة في ترسيخ هذا المفهوم
القضاء الإماراتي والتشريعات الحديثة متفقة على أن المصفي يتعامل مع الشركة باعتبارها شخصية اعتبارية قائمة لحين استكمال التصفية. وقد أكدت نصوص قانون الشركات الاتحادي لسنة 2021 أن المصفي يقوم بجميع أعمال الإدارة اللازمة، من تمثيل أمام المحاكم والجهات الرسمية، إلى سداد الديون وتوزيع المتبقي على الشركاء.
كما أن قانون الإفلاس 2023 رسخ هذه المكانة بإعطائه للمصفي أو الأمين صلاحيات لا يمكن اعتبارها ناتجة عن وكالة، بل عن تمثيل قانوني مستقل.
ومن المهم أن يدرك المستثمرون ورواد الأعمال في الإمارات أن تعيين المصفي لا يعني انتقال صلاحيات الإدارة إلى الشركاء أو وكلائهم، بل إلى شخصية قانونية محايدة تمثل الشركة حتى انقضائها. وهنا يظهر الدور الإرشادي للمكاتب القانونية الرصينة مثل أتش أتش أس للخدمات القانونية التي تقدم الاستشارات المتخصصة في قضايا التصفية والإفلاس وفق أحدث التشريعات.
مواد للقراءة من مدونتنا
- الفرق بين التصفية والإفلاس التجاري في الإمارات – طرح مبسّط للفروق الإجرائية والنتائج العملية. (مدونة أتش أتش أس)
- إجراءات إفلاس الشركات والتجار في الإمارات وفق القانون الجديد – نظرة عملية على مسارات الإفلاس بعد 2023. (مدونة أتش أتش أس)
وهناك إرشادات امتثال مختصرة للشركاء والمديرين
- صياغة قرار التصفية والتعيين بدقة (نطاق الصلاحيات، المدد، التقارير).
- تمكين المصفي من السجلات والأختام والحسابات فورًا (م320–م321).
- الالتزام بإعلانات الدعوة للدائنين ومتابعة المطالبات (م324–م326).
- عدم التدخل في قرارات المصفي التي يقتضيها القانون، مع حفظ الحق في الرقابة عبر الحسابات الدورية والختامية (م329–م330).
يتضح مما سبق أن التشريعات الإماراتية الحديثة، وخاصة قانون الشركات رقم (32) لسنة 2021 وقانون إعادة التنظيم المالي والإفلاس رقم (51) لسنة 2023، قد أكدت بما لا يدع مجالاً للشك أن المصفي يُعد ممثلاً قانونياً للشركة كشخص معنوي وليس وكيلاً عن الشركاء. وهذا يعكس حرص المشرع على حماية المصالح المتوازنة لجميع الأطراف وضمان سير عملية التصفية بعدالة وشفافية.
وخلاصة المبدأ: المصفي ممثلٌ قانوني للشركة بوصفها شخصًا اعتباريًا مستقلًا، وليس وكيلًا عن الشركاء؛ إذ تُستمد صلاحياته من القانون وقرار التعيين/الحكم، ويُحاسَب عن أعماله ضمن إطارٍ يوازن حقوق الدائنين والشركاء ويضمن الشفافية حتى شطب الشركة. يستند ذلك إلى نصوص التصفية في قانون الشركات (32/2021) ولا سيما المادة (323)، وإلى منظومة الإفلاس 51/2023 ولائحتها التنفيذية لعام 2024.
للاستشارة المتخصصة أو إعداد قرارات التصفية وصياغة نطاق صلاحيات المصفي وفق أفضل الممارسات، تواصلوا معنا لدى أتش أتش أس للخدمات القانونية؛ بإمكانكم ترتيب جلسة تقييم أولي وطرح أسئلتكم التفصيلية على فريقنا.
إدارة البحوث والنشر
أتش أتش أس للخدمات القانونية ش م ح.
دولة الإمارات العربية المتحدة.
للاستعلام عن الخدمة:
واتس اب (كتابة فقط ) : 971521782469
ايميل: sales@hhslawyers.com